مسؤوليات منشئي المحتوى: بين الإبداع والمسؤولية القانونية والأخلاقيَّة | مدوّنة الدّعم العَربي

Slider

مسؤوليات منشئي المحتوى: بين الإبداع والمسؤولية القانونية والأخلاقيَّة

إذا اكتشف محرّك بحث، جوجل مثلا، أنّ هناك صفحة تمّ إنشاؤها دون دقّة أو معرفة أو خبرة أو مهارة فإنّه يقوم باعطائها أسوأ تقييم لجودة الصّفحة ويستبعدها من
ما مدى الضّرر الذي يُمكن إلحاقه بمحتوى غير مسؤول

 مع تزايد انتشار الإنترنت ووسائل التَّواصل الاجتماعي، أصبح إنشاء المحتوى مهنة مؤثِّرة ومربحة مادِّيّا. لكن مع هذا التَّأثير الكبير تأتي مسؤوليَّات ضخمة، حيث يمكن أن يترتَّب على بعض أنواع المحتوى عواقب قانونيَّة خطيرة، خصوصا عندما يتعلَّق الأمر بالمعلومات المضلِّلة أو المحتوى الذي قد يؤثِّر على حياة الأفراد.

في كثير من الأحيان، يُقْدِمُ بعض الأشخاص على إنشاء محتوى دون امتلاك الخبرة أو المعرفة الكافيَة، ممَّا قد يؤدِّي إلى نشر معلومات خاطئة أو مضلِّلة تؤثِّر بشكل سلبي على المجتمع والأفراد.

المسؤوليات القانونية لمنشئي المحتوى

يجب على منشئي المحتوى إدراك أن كلّ ما ينشرونه قد يكون له تبعات قانونيَّة، خاصَّة عندما يتعلَّق الأمر بالمعلومات الحسَّاسة.

نشر الأخبار الكاذبة أو المضلِّلة يُعدُّ من أكثر المخاطر القانونيَّة التي قد تواجه منشئ المحتوى، حيث يمكن أن تؤدِّي هذه المعلومات إلى تضليل الجمهور أو إثارة الذُّعر.

من الأمثلة على ذلك نشر إعلانات حكوميَّة وهميَّة تتعلَّق بالمساعدات الماليَّة أو الفرص الوظيفيَّة، أو التَّرويج لعلاجات طبَّيَّة غير مثبتة علميّا، أو نشر أخبار سياسية مغلوطة قد تؤثر على الانتخابات أو الأمن القومي.

كذلك، تُعتبر الخصوصيَّة وحماية البيانات من أهمِّ المسؤوليَّات التي يجب مراعاتها. نشر معلومات شخصيَّة عن الآخرين دون إذنهم قد يعرِّض منشئ المحتوى للمساءلة القانونيَّة، سواء كان ذلك عبر نشر عناوين أو أرقام هواتف أو حتى بيانات حسَّاسة مثل السِّجلاَّت الماليَّة أو الطِّبِّيَّة. من الضَّروريِّ أن يُدرك منشئو المحتوى أن احترام خصوصيَّة الآخرين ليس فقط واجبا قانونيّا، بل هو التزام أخلاقيّ أيضا.

من ناحية أخرى، التَّرويج للأنشطة غير القانونيَّة أو الاحتياليَّة يُعد من المخالفات الخطيرة التي قد تؤدي إلى محاسبة منشئ المحتوى. التَّسويق لفرص استثماريَّة وهميَّة، أو التَّرويج لمنتجات طبِّيَّة غير مرخَّصة، أو دعم منصَّات مراهنات غير قانونيَّة كلُّها ممارسات قد تؤدِّي إلى عواقبَ قانونية جسيمة.

كما أنَّ احترام قوانين حقوق النَّشر والملكيَّة الفكريَّة يُعد أمرا في غاية الأهمِّيَّة. استخدام صور أو مقاطعَ فيديو أو موسيقى دون إذن قد يؤدِّي إلى إزالة المحتوى من المنصَّات (مثل جوجل)، أو حتى فرض غرامات ماليَّة على المنشئ. من الأفضل دوما التَّأكُّد من الحصول على التَّراخيص اللاَّزمة أو استخدام المحتوى المُتاح للاستخدام العامِّ.

تأثير المحتوى على حياة الأشخاص (Your Money or Your Life - YMYL)

تُعرف بعض أنواع المحتوى بأنها ذات تأثير مباشر على حياة الأفراد، مثل المحتوى المتعلق بالصحة أو المال أو السَّلامة الشَّخصيَّة. هذا النَّوع من المحتوى يُطلق عليه اسم YMYL (أموالك أو حياتك) وفقا لمعايير جوجل، وهو محتوى يتطلب دقَّة وموثوقيَّة عاليَة. على سبيل المثال، نشر معلومات صحِّيَّة غير دقيقة قد يؤدِّي إلى اتخاذ أشخاص قرارات خطيرة بناء على معلومات مضلِّلة، ممَّا قد يهدِّد حياتهم. كذلك، تقديم نصائح ماليَّة خاطئة قد يُلحق ضررا بالغا بالمستثمرين، بينما يمكن أن تؤدِّي الاستشارات القانونية غير الموثوقة إلى مشكلات قانونيَّة خطيرة للأفراد.

بسبب أهمِّيَّة هذا النَّوع من المحتوى، فإنَّ محرِّكات البحث والمنصَّات الاجتماعيَّة تفرض معاييرَ صارمة عليه وتُعَاقِب المواقع التي تنشر معلومات غير دقيقة. لذلك، من الضَّروريِّ أن يكون منشئو المحتوى على دراية كافية بالمجالات التي يناقشونها، أو يستعينوا بالخبراء لتقديم محتوى موثوق.

مخاطر إنشاء المحتوى دون خبرة أو معرفة

أحد أكبر التَّحدِّيات التي يواجه الإنترنت اليوم هو انتشار المحتوى الذي يُقدَّم دون علم أو خبرة. كثير من الأشخاص يعتقدون أن امتلاك منصة رقمية كموقع إلكتروني يمنحهم الحقّ في تقديم نصائحَ أو توجيهات في مجالات معقَّدة مثل الصِّحَّة، والمال، والقانون، دون أن يكون لديهم أيّ خلفيَّة علميَّة أو عمليَّة في هذه المجالات. هذا النَّوع من المحتوى لا يُؤدِّي فقط إلى تضليل الجمهور، بل قد تكون له نتائج كارثيَّة على الأفراد الذين يعتمدون على هذه المعلومات.

على سبيل المثال، قد ينشر شخص غير متخصِّص نصائحَ غذائية غير صحيحة، ما قد يؤدي إلى مشكلات صحِّيَّة حقيقيَّة للأشخاص الذين يتبعونها. أو قد يروِّج شخص لاستثمار معيَّن دون امتلاك أي معرفة حقيقيَّة بالاقتصاد أو الأسواق الماليَّة، مما يؤدِّي إلى خسائرَ ماليَّة جسيمة لمن يعتمد على نصيحته. في بعض الحالات، قد يتسبَّب المحتوى غير الموثوق في انتهاك القوانين، حيث أن تقديم استشارات في بعض المجالات دون ترخيص قانوني قد يُعد جريمة في بعض الدُّول.

لهذا، يجب على منشئي المحتوى التَّحلِّي بالمسؤوليَّة وعدم تقديم معلومات تتجاوز نطاق معرفتهم أو خبرتهم. بدلا من ذلك، يمكنهم التَّعاون مع الخبراء لضمان صحَّة ودقَّة المعلومات المقدَّمة.

كيف يكون منشئ المحتوى مسؤولا؟

لكي يكون منشئ المحتوى مسؤولا، يجب عليه الالتزام بعدد من الممارسات التي تضمَّن تقديم محتوى دقيق وموثوق وآمن، خصوصا عندما يتعلّق الأمر بمواضيع أموالك أو حياتك، في حال كنت منشئ محتوى ولا تعرف ما إذا كنت تقدّم محتوى حسّاسا، يُمكنك التّعرّف على ما إذا كان المحتوى الذي تقدّمه يدخل ضمن مواضيع أموالك أو حياتك:

  • قراءة وفهم المحتوى: قد يبدو الأمر غير منطقي، أقصد، كيف لشخص أن ينشر محتوى دون أن يقرأه، لكن حقيقة الأمر أنّ هذا حاصل. إذ باستخدام الذّكاء الاصطناعي صار الأشخاص يجلبون منه محتوى وينشرونه مباشرة دون أدنى قراءة، فما بالك بالتّحقيق.
  • التحقق من المصادر: لا ينبغي الاعتماد على معلومات غير موثوقة أو مجهولة المصدر. من الضَّروريِّ الرُّجوع إلى مصادر رسميَّة أو أكاديمية أو خبراء في المجال، لضمان دقَّة وصحَّة المحتوى، وأيضا إضافة تلك المصادر إلى المحتوى.
  • احترام قوانين المنصة: كل منصَّة رقميَّة لها سياسات خاصَّة بالمحتوى المسموح به. يجب على منشئي المحتوى قراءة وفهم هذه السِّياسات لضمان عدم انتهاك أيٍّ منها، ممَّا قد يؤدِّي إلى حظر الحساب أو حذف المحتوى.
  • استشارة الخبراء: عند مناقشة موضوعات متخصِّصة مثل الطِّبِّ، أو المال، أو القانون، من الأفضل التَّعاون مع مختصِّين أو مراجعة محتوى الخبراء لضمان صحَّة المعلومات المقدَّمة.
  • الإفصاح عن الترويج المدفوع: عند التَّرويج لمنتج أو خدمة مقابل مكافأة مادِّيَّة، يجب الإفصاح عن ذلك بوضوح. تضليل الجمهور بشأن المصالح الماليَّة قد يؤدِّي إلى فقدان المصداقيَّة، كما أنَّ بعض الدُّول تفرض قوانينَ تُلزم المؤثِّرين بالإفصاح عن أيِّ شراكات تجاريَّة.
  • تحديث المعلومات بشكل مستمر: بعض المعلومات قد تتغيَّر بمرور الوقت، خاصَّة في مجالات مثل الصِّحَّة والتِّكنولوجيا والاقتصاد. من الضَّروري مراجعة المحتوى القديم وتحديثه لضمان توافقه مع أحدث البيانات والحقائق.
  • عدم نشر محتوى ضارّ أو تحريضي: يجب تجنُّب نشر أيِّ محتوى يحرِّض على الكراهية أو العنف أو التَّمييز، حيث أن ذلك قد يؤدِّي إلى مشكلات قانونيَّة وأخلاقيَّة.
  • احترام خصوصية الآخرين: لا ينبغي نشر أيِّ معلومات شخصيَّة عن الآخرين دون إذنهم، مثل الصُّور أو مقاطع الفيديو أو البيانات الخاصَّة، حتَّى لا يتمَّ انتهاك خصوصيَّتهم.

علاقة هذا بتحسين محرّكات البحث

في حال كنت مشرف موقع إلكتروني وتتساءل عن ما علاقة إنشاء محتوى دون خبرة أو معرفة بتحسين محرِّكات البحث، فدعني أخبرك أنّ محرِّكات البحث صارت تميِّز بين المحتوى الذي تمّ إنشاؤه بخبرة أو معرفة بالموضوع وبين المحتوى الذي تمَّ إنشاؤه بدون معرفة أو خبرة أو حتى جهد.

تقول جوجل في دليل مقيِّمي جودة البحث وتحديدا في قسم (التَّقييم العام لجودة الصّفحة) ما نصّه في تدريب المقيِّمين:

جدول حول جودة المحتوى الرئيسي يتضمن معايير الجهد، الأصالة، الموهبة أو المهارة والدِّقَّة

وإذا اكتشف محرّك بحث، جوجل مثلا، أنّ هناك صفحة تمّ إنشاؤها دون دقّة أو معرفة أو خبرة أو مهارة فإنّه يقوم باعطائها أسوأ تقييم لجودة الصّفحة ويستبعدها من فهرسه.

إنَّ إنشاء المحتوى ليس مجرَّد عمل إبداعيّ، بل هو مسؤوليَّة كبيرة تتطلَّب وعيا قانونيّا وأخلاقيّا. ومع تزايد الاعتماد على الإنترنت كمصدر رئيسي للمعلومات، أصبح من الضَّروري على منشئي المحتوى التَّأكُّد من صحَّة ودقَّة ما يقدِّمونه. الالتزام بهذه المعايير لا يحمي منشئ المحتوى من المساءلة فقط، بل يعزِّز أيضا مصداقيَّته ويضمن استمراريَّة نجاحه في المجال.

2
( إخفاء التعليقات )
  1. موضوع مهم، جميل جداً أنك قمت بتسليط الضوء عليه يا صديقي

    ردحذف
    الردود
    1. شكرا على الإشارة إلى ذلك. فعلا المسؤولية في إنشاء المحتوى شيء يُمكن أن يغفل عنه منشئ المحتوى الجديد كما يحدث مع الكل وكما حصل معي وربما حصل معك أنت كذلك.

      حذف

شارك رأيك مع مدوّنة الدّعم العَربي! يرجى الالتزام بقواعد التعليقات. التعليقات التي تحتوي على إساءة أو تشهير أو دعاية أو محتوى مسيء لن يتم نشرها بعد المراجعة اليدويّة.

blogger

منشئي المحتوى

حقوق الطّبع والنّشر, معاملات مالية, معلومات
© جميع الحقوق محفوظة
مع كلّ محمد الورياغلي